فتاة من غزة تستحق التقدير
الكاتب: أ/ عبد الرحمن أبو العطا
أثار في نفسي خبر يتعلق
بشابة فلسطينية تحترف صيد الأسماك في بحر غزة معانٍ ساميةٍ كثيرة، كما هيَّج أيضًا مدامع ومواجع عديدة وأنا أقرأ تفاصيل خبر يتحدث عن فتاة تواجه من أجل أسرتها صعاب الحياة في ظل الحصار بكل شجاعة وصبر.
المسألة بإيجاز أن فتاة فلسطينية تُدعى مادلين كلاب (16 عامًا) تخرج يوميًا في الصباح الباكر مع شقيقتها ريم وشقيقها كايد وهما يصغرانها في السنِّ على متن قارب صيد صغير إلى عرض البحر لصيد الأسماك، والجميل أنها تراقب صيدها بعد أن تلقي بالشباك وتغطس في الماء لأجل ذلك كصياد ماهر متمرس في مهنته.
وليست هذه هواية للاحتراف لدى الفتاة التي بالكاد بدأت تدرك تفاصيل الحياة من حولها، وتتعرف على المعاني العميقة للأمور، ولكنها قصة من القصص الواقعية التي تحمل في طياتها عبرًا توزن بالذهب لتمحو كلمة مستحيل، ولا نستطيع ولا نقدر، ولو أنه يحدث كذا، ويا ليت يصير كذا، وكل العبارات التي تعطل التفاعل الإيجابي مع الحياة، وتمنع مواجهة الأمور على نحو سليم.
فوالدها محمد كلاب (52 عامًا) المتحدرة عائلته من قرية حمامة الساحلية المهجر أهلها قرب مدينة المجدل المحتلة، والذي ورث مهنة الصيد عن أبيه وأجداده، يشرح الأسباب والتي أهمها ما أصابه من شلل أقعده عن الصيد قبل عشر سنوات - اللهم اشفه شفاءً لا يغادر سقمًا - ويقول في تقرير صحفي منشور:" علمت ابنتي مادلين وريم السباحة والصيد ليعتمدا على نفسيهما.. أولويتي كانت إكمال تعليمهما لكن ما باليد حيلة".
ولكنني سأبدأ بمدامعي حتى أمسحها بالمعاني السامية في نهاية مقالتي، والتي منها أن فتاة حديثة السنّ ووالدها مقعدٌ مصابٌ بالشلل يعيشون في مجتمع صغير وسجن كبير مع أصحاب رؤوس أموال ورجال أعمال تبلغ زكاة أموالهم مئات آلاف الدنانير، بل بعضهم زكاة مالهم تجاوزت المليون دينار، إلا أنهم مقصرون في حقوق
الفقراء والمحتاجين، ومانعون لفريضة أوجبها الله على المؤمنين، وهي لا تنقص من المال بل تزيده كما هو ثابت في صحيح السّنّة وتجارب الأمة.
ونظرت إلى أمتي العزيزة وإلى موسريها الذين تفصلهم عنها الحدود الجبرية وإلى بذخهم وإسرافهم، بل وتبذيرهم لأموالهم فيما لا طائل منه ناهيك عن المشاريع التي تخدم أعداءنا بينما أهل غزة في شقاء وكرب.
ورجعت إلى الوراء عندما كنا نسكن إلى جوار أرملة عجوز قبل سنين معدودة، وكيف تعلمنا أن نحمل الطعام والخبز إليها لتأكل هي وحفيدتها ونتزاحم مع الآخرين على هذا الفعل الحسن في صورة بهية للتكافل الاجتماعي نفتقدها في هذه الأيام، أو ربما باتت من الأمور النادرة فالخير باقٍ في هذه الأمة إلى قيام الساعة.
وفي اتجاه آخر فإنه دخل إلى نفسي فرحٌ وكربٌ في آنٍ واحدٍ متعلق بالحجاب الشرعي فالفتاة - حفظها الله من كل سوء - متمسكة بغطاء الرأس، ولكن المؤسف أنّ الحجاب ليس تغطية الشعر فحسب وله شروط، لعل حداثة سنها منعتها من الاهتمام بها، وهي أن يكون ساترًا وألا يشف عما تحته وألا يصفه، وألا يكون زينة في ذاته، وألا يكون ملفتًا للنظر كأغطية الرأس الملونة مثلاً أو ذات الألوان الفاقعة.
كما أننا في حاجة ملحة إلى أن نستقي المعاني السامية من هذه القصة الواقعية لنخطو نحو التحرر الثقافي
والاستقرار النفسي المفضي إلى تحرير الأرض والمقدسات، وإقامة الدولة التي تخدم المقيمين فيها، وتحقق مصالحهم وترعى شئونهم على أحسن وجه.
ومن هذه المعاني رفض الاستسلام لصعوبة الحال، وانتظار الكوبونات بحالة مزرية من العجز، وتعليق الكسل و الفشل والخجل المعيب على شماعة الحصار وشدة الظروف، وكذلك البحث بجدية عن فرصة عمل وصنع واقع جديد للكسب الحلال وكفاية الأسرة.
وهذه النماذج باتت كثيرة مما يعني أننا في حالة نهوض نحو الاعتماد على الذات، والبحث في سبل العيش الكريم، وكم تُسرُّ نفسي من ذلك العامل الذي لا يجد عملاً ويصنعه لنفسه، فمثلاً يجوب الحارات يبيع الترمس والفول النابت، أو البوظة والبراد، وآخرون يحملون ركام المنازل ليبيعوها لأصحاب معامل الحجارة، وامرأة تقف بجوار مركز صحي تبيع ألعابًا للأطفال والشوكولاتة، وآخر متعدد الأعمال فتجده في الصباح يوزع كراتين البيض للمحلات، وبعد قليل يذهب ليعمل في البناء وبعدها أو قبلها يبيع الشيبسي، كل هؤلاء يستحقون الاحترام؛ لأنهم لم يقفوا طويلاً أمام البطالة القسرية و قرروا أن يجتازوا المصاعب.
الكاتب: أ/ عبد الرحمن أبو العطا
أثار في نفسي خبر يتعلق
بشابة فلسطينية تحترف صيد الأسماك في بحر غزة معانٍ ساميةٍ كثيرة، كما هيَّج أيضًا مدامع ومواجع عديدة وأنا أقرأ تفاصيل خبر يتحدث عن فتاة تواجه من أجل أسرتها صعاب الحياة في ظل الحصار بكل شجاعة وصبر.
المسألة بإيجاز أن فتاة فلسطينية تُدعى مادلين كلاب (16 عامًا) تخرج يوميًا في الصباح الباكر مع شقيقتها ريم وشقيقها كايد وهما يصغرانها في السنِّ على متن قارب صيد صغير إلى عرض البحر لصيد الأسماك، والجميل أنها تراقب صيدها بعد أن تلقي بالشباك وتغطس في الماء لأجل ذلك كصياد ماهر متمرس في مهنته.
وليست هذه هواية للاحتراف لدى الفتاة التي بالكاد بدأت تدرك تفاصيل الحياة من حولها، وتتعرف على المعاني العميقة للأمور، ولكنها قصة من القصص الواقعية التي تحمل في طياتها عبرًا توزن بالذهب لتمحو كلمة مستحيل، ولا نستطيع ولا نقدر، ولو أنه يحدث كذا، ويا ليت يصير كذا، وكل العبارات التي تعطل التفاعل الإيجابي مع الحياة، وتمنع مواجهة الأمور على نحو سليم.
فوالدها محمد كلاب (52 عامًا) المتحدرة عائلته من قرية حمامة الساحلية المهجر أهلها قرب مدينة المجدل المحتلة، والذي ورث مهنة الصيد عن أبيه وأجداده، يشرح الأسباب والتي أهمها ما أصابه من شلل أقعده عن الصيد قبل عشر سنوات - اللهم اشفه شفاءً لا يغادر سقمًا - ويقول في تقرير صحفي منشور:" علمت ابنتي مادلين وريم السباحة والصيد ليعتمدا على نفسيهما.. أولويتي كانت إكمال تعليمهما لكن ما باليد حيلة".
ولكنني سأبدأ بمدامعي حتى أمسحها بالمعاني السامية في نهاية مقالتي، والتي منها أن فتاة حديثة السنّ ووالدها مقعدٌ مصابٌ بالشلل يعيشون في مجتمع صغير وسجن كبير مع أصحاب رؤوس أموال ورجال أعمال تبلغ زكاة أموالهم مئات آلاف الدنانير، بل بعضهم زكاة مالهم تجاوزت المليون دينار، إلا أنهم مقصرون في حقوق
الفقراء والمحتاجين، ومانعون لفريضة أوجبها الله على المؤمنين، وهي لا تنقص من المال بل تزيده كما هو ثابت في صحيح السّنّة وتجارب الأمة.
ونظرت إلى أمتي العزيزة وإلى موسريها الذين تفصلهم عنها الحدود الجبرية وإلى بذخهم وإسرافهم، بل وتبذيرهم لأموالهم فيما لا طائل منه ناهيك عن المشاريع التي تخدم أعداءنا بينما أهل غزة في شقاء وكرب.
ورجعت إلى الوراء عندما كنا نسكن إلى جوار أرملة عجوز قبل سنين معدودة، وكيف تعلمنا أن نحمل الطعام والخبز إليها لتأكل هي وحفيدتها ونتزاحم مع الآخرين على هذا الفعل الحسن في صورة بهية للتكافل الاجتماعي نفتقدها في هذه الأيام، أو ربما باتت من الأمور النادرة فالخير باقٍ في هذه الأمة إلى قيام الساعة.
وفي اتجاه آخر فإنه دخل إلى نفسي فرحٌ وكربٌ في آنٍ واحدٍ متعلق بالحجاب الشرعي فالفتاة - حفظها الله من كل سوء - متمسكة بغطاء الرأس، ولكن المؤسف أنّ الحجاب ليس تغطية الشعر فحسب وله شروط، لعل حداثة سنها منعتها من الاهتمام بها، وهي أن يكون ساترًا وألا يشف عما تحته وألا يصفه، وألا يكون زينة في ذاته، وألا يكون ملفتًا للنظر كأغطية الرأس الملونة مثلاً أو ذات الألوان الفاقعة.
كما أننا في حاجة ملحة إلى أن نستقي المعاني السامية من هذه القصة الواقعية لنخطو نحو التحرر الثقافي
والاستقرار النفسي المفضي إلى تحرير الأرض والمقدسات، وإقامة الدولة التي تخدم المقيمين فيها، وتحقق مصالحهم وترعى شئونهم على أحسن وجه.
ومن هذه المعاني رفض الاستسلام لصعوبة الحال، وانتظار الكوبونات بحالة مزرية من العجز، وتعليق الكسل و الفشل والخجل المعيب على شماعة الحصار وشدة الظروف، وكذلك البحث بجدية عن فرصة عمل وصنع واقع جديد للكسب الحلال وكفاية الأسرة.
وهذه النماذج باتت كثيرة مما يعني أننا في حالة نهوض نحو الاعتماد على الذات، والبحث في سبل العيش الكريم، وكم تُسرُّ نفسي من ذلك العامل الذي لا يجد عملاً ويصنعه لنفسه، فمثلاً يجوب الحارات يبيع الترمس والفول النابت، أو البوظة والبراد، وآخرون يحملون ركام المنازل ليبيعوها لأصحاب معامل الحجارة، وامرأة تقف بجوار مركز صحي تبيع ألعابًا للأطفال والشوكولاتة، وآخر متعدد الأعمال فتجده في الصباح يوزع كراتين البيض للمحلات، وبعد قليل يذهب ليعمل في البناء وبعدها أو قبلها يبيع الشيبسي، كل هؤلاء يستحقون الاحترام؛ لأنهم لم يقفوا طويلاً أمام البطالة القسرية و قرروا أن يجتازوا المصاعب.
الأربعاء أكتوبر 19, 2011 2:03 pm من طرف اسماء
» إيقاظ الإيمان .. كيف ؟
الإثنين أكتوبر 17, 2011 1:26 pm من طرف المشتاقة الي الجنة
» دموع الصومال
الإثنين أكتوبر 17, 2011 1:13 pm من طرف المشتاقة الي الجنة
» الرسول صلى الله عليه وسلم والصومال
الإثنين أكتوبر 17, 2011 1:05 pm من طرف المشتاقة الي الجنة
» هنا من موقع التوبة أعلنها توبة لله
السبت أكتوبر 15, 2011 4:21 am من طرف اسماء
» قصة طفل عمره 3 سنوات والله المستعان
الجمعة أكتوبر 14, 2011 10:15 am من طرف اسماء
» فوائد الصرصور..اخر زمنـ صار لهمـ فوائد بعد..
الخميس أكتوبر 13, 2011 12:40 pm من طرف المشتاقة الي الجنة
» ذابت قلوبنا من هم الدنيا
الخميس أكتوبر 13, 2011 12:36 pm من طرف المشتاقة الي الجنة
» لا تجعل الله أهون الناظرين إليك [ ذنوب الخلوات ]..!!!
الخميس أكتوبر 13, 2011 12:23 pm من طرف المشتاقة الي الجنة