عمل المسلم في العشر الأواخر
من محبة الله لهذه الأمة أن جعل لها أوقاتاً مباركةً يستطيع أن يستثمرها المسلم في زيادة حسناته، ومضاعفة أجوره، ولقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - حريصاً كل الحرص على أن تدرك أمته من الله - تعالى - الرحمة والمغفرة حتى وصفه الله - تعالى - فقال: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}1، من أجل ذلك أوصى أمته فقال: ((تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان))2، واهتمام النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك إنما نبع مما في هذه العشر من الخيرات والبركات.ولهذا كان حري بالمسلم أن يستثمر هذه العشر بما يعود عليه بالنفع والفائدة، فليس كل من أدرك رمضان موفق للطاعة، وليس كل من أدرك العشر الأواخر موفق لاستغلالها واستثمارها، لذا فقد أحببنا أن نذكِّر أنفسنا بما ينبغي على المسلم أن يفعله في هذه العشر الأواخر من رمضان مما ثبت عن نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وسلفنا الصالح فعله، ولنا في رسول الله أسوة حسنة {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}3:
فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا جاءت العشر الأواخر استعدَّ لها أتم الاستعداد، واجتهد فيها أيما اجتهاد؛ جاء في الصحيح عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل العشر أحيا الليل، وأيقظ أهله، وجدَّ، وشدَّ المئزر"4، هذا فعل من قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فكيف ينبغي أن يفعل من لا يدري ما حاله أمثالنا؟
- وأول ما ذكر في الحديث (أحيا ليله) فكيف يحي المسلم الليل؟
يحي المسلم الليل بقيامه والوقوف بين يدي الله - تعالى -، متذللاً بين يديه، متدبراً آيات الله؛ كما كان يفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد جاء عن عائشة - رضي الله عنها -: "لا أعلم نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ القرآن كله في ليلة، ولا قام ليلة حتى أصبح، ولا صام شهراً كاملاً غير رمضان"5.
ويُتأكد القيام في ليالي العشر الأواخر لأنها قد خُصَّت بليلة القدر التي يقول - صلى الله عليه وسلم - عن فضل قيامها: ((من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه))6، وما ليلة القدر إلا ليلة من ليالي العشر الأواخر، لكن لم يُعرف لها تحديد ليكون الاجتهاد في كل العشر.
ومن إحياء الليل إحياؤه بقراءة القرآن، إذ أن شهر رمضان هو شهر القرآن قال - تعالى -: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}7، ولليالي العشر مع القرآن حياة يعلمها أهل الإيمان.
وكلهم بات بالقرآن مندمجاً كأنه الدم يسري في خلاياه
- ويكون إحياء الليل - أيضاً - بالذكر والاستغفار مستشعرين قوله - تعالى -: {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}8، والدعاء والافتقار لله الواحد القهار {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}9.
فيجتهد في كل العشر شفعها ووترها لأنها هي خاتمة ما قدمه في شهر رمضان يقول بدر الدين العيني - رحمه الله -: "(وأحيا ليله) يعني باجتهاده في العشر الآخر من رمضان لاحتمال أن يكون الشهر إما تاماً، وإما ناقصاً، فإذا أحيا ليالي العشر كلها لم يفته منها شفع ولا وتر، وقيل: لأن العشر آخر العمل فينبغي أن يحرص على تجويد الخاتمة، ونسبة الإحياء إلى الليل مجاز، فإذا سهر فيه للطاعة فكأنه أحياء"10.
- ومن عمل المسلم في العشر الأواخر أن يدفع أهله إلى الطاعات، والمبادرة إلى فعل الخيرات، فيوقظ أهله كما كان يفعله النبي - صلى الله عليه وسلم - جاء في كتاب "عون المعبود": (وأيقظ أهله) أي أمر بإيقاظهم للعبادة، وطلب ليلة القدر لقوله - تعالى -: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ..}11"12.
- ومن عمل المسلم - أيضاً - أن يستعد لهذه العشر، ويتهيأ لها، فلا يعاملها كما يعامل بقية الأيام، بل يدخل فيها بكل جد واجتهاد، وهمة عالية، ونشاط جاء في عمدة القاري: "شد مئزره أي إزاره كقولهم ملحفة ولحاف، وهو كناية إما عن ترك الجماع، وإما عن الاستعداد للعبادة والاجتهاد لها زائداً على ما هو عادته، وأما عنهما كليهما معاً، ولا ينافي إرادة الحقيقة أيضاً بأن شد مئزره ظاهراً أيضاً، وجزم عبد الرزاق عن الثوري أن المراد به الاعتزال من النساء، واستشهد بقول الشاعر:
قوم إذا حاربوا شدوا مآزرهم عن النساء ولو باتت بأطهار
إلى أن قال: وهو كناية عن الجد والتشمير في العبادة"13.
- ومن عمل المسلم في العشر الأواخر من رمضان الاعتكاف، فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعتكف حتى مات كما في الصحيحين14، والمفترض ألا يكون اعتكاف المسلم عبارة عن مكث في المسجد ثم لا يحصل منه على الفائدة التي شُرع لأجلها الاعتكاف يقول عبد الله القصير: "ولهذا كان من سُنةّ النبي - صلى الله عليه وسلم - الاعتكاف تلك العشر، وهذا فيه الاجتهاد في العبادة، وبذل الوسع في تحري تلك الليلة، فينقطع في المسجد - تلك المدة - عن كل الخلائق، مشتغلاً بطاعة الخالق، قد حبس نفسه على طاعته، وشغل لسانه بدعائه وذكره، وتخلى عن جميع ما يشغله، وعكف بقلبه على ربه وما يقربه منه، فما بقي له سوى الله، وما شغل نفسه إلا بما فيه رضاه"15.
- ومن عمل المسلم في العشر الأواخر الدعاء بـ"اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا"، فيجعل ذلك في كل ليلة يرجو أن تكون هي ليلة القدر فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قلت: يا رسول الله أرأيت إن علمت أي ليلةٍ ليلةُ القدر ما أقول فيها؟ قال: ((قولي: اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني))16.
- ولا ينسى المسلم أن يقدم صدقة الفطر قبل العيد بيوم أو يومين فقد كان الصحابة يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين"17.
اللهم وفقنا لليلة القدر، واجعلنا ممن يقومها إيماناً واحتساباً، اللهم كما سلمتنا رمضان فتسلمه منا متقبلاً.. آمين.
الأربعاء أكتوبر 19, 2011 2:03 pm من طرف اسماء
» إيقاظ الإيمان .. كيف ؟
الإثنين أكتوبر 17, 2011 1:26 pm من طرف المشتاقة الي الجنة
» دموع الصومال
الإثنين أكتوبر 17, 2011 1:13 pm من طرف المشتاقة الي الجنة
» الرسول صلى الله عليه وسلم والصومال
الإثنين أكتوبر 17, 2011 1:05 pm من طرف المشتاقة الي الجنة
» هنا من موقع التوبة أعلنها توبة لله
السبت أكتوبر 15, 2011 4:21 am من طرف اسماء
» قصة طفل عمره 3 سنوات والله المستعان
الجمعة أكتوبر 14, 2011 10:15 am من طرف اسماء
» فوائد الصرصور..اخر زمنـ صار لهمـ فوائد بعد..
الخميس أكتوبر 13, 2011 12:40 pm من طرف المشتاقة الي الجنة
» ذابت قلوبنا من هم الدنيا
الخميس أكتوبر 13, 2011 12:36 pm من طرف المشتاقة الي الجنة
» لا تجعل الله أهون الناظرين إليك [ ذنوب الخلوات ]..!!!
الخميس أكتوبر 13, 2011 12:23 pm من طرف المشتاقة الي الجنة