إلى كل حاكمٍ مُنتظر..
وكل مسئولٍ يرتقب
الكاتب: د/ الغباشى الشرنوبى العطوى
إلى كل حاكمٍ منتظر, وكل مسئولٍ يرتقب, وكل عاملٍ مستشرفٍ, سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.. وبعد:
بارك الله لنا فيك, وبارك فينا لك, وهدانا جميعًا وإياك إلى ما يحبه تعالى ويرضاه، فلتعلم أيها المسئول أنك مسئولٌ عن كلِ ما استرعاك اللهُ عليه كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: "كلكم راعٍ وكلكم مسئولٌ عن رعيته..", وسيوقفك الله عزَّ وجلَّ للحساب والسؤال:" وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ " [الصافات: 24].
واعلم أن رسول الله - عليه الصلاة والسلام - حدد مهامك وأنذرك فقال:" مَن ولَي أمور المسلمين ولم يحفظهم كحفظه أهل بيته فقد تبوَّأ مقعده من النار", فلتأخذ بيد رعيتك إلى الجنة، ولتدفعهم دفعًا عن النار فتنعم وإياهم, ولا تجعلهم بظلمك لهم يدفعونك جميعهم إلى جهنم فتزلَّ وتشقى، فعن زيد بن أسلم عن أبيه قال: قال عمر بن الخطاب عند موته:" اعلموا أن الناس لن يزالوا بخير ما استقامت لهم ولاتهم وهداتهم".
فكن سيادة المسئول كأبي بكر في صدقه، وعمر في عدله، وعثمان في حيائه وكرمه، وعلي في علمه وعدله, واعلم أن العدل كما قال محمد بن كعب القرظي, لمَّا سأله عمرُ بنُ عبد العزيز: صف لي العدل. فقال: "كل مسلمٍ أكبرُ منك سنًّا فكن له ولدًا، ومن كان أصغر منك فكن له أبًا، ومن كان مثلك فكن له أخًا، وعاقب كل مجرمٍ على قدر جرمه، وإياك أن تضرب مسلمًا سوطًا واحدًا على حقدٍ منك فإن ذلك يصيرك إلى النار".
سيادة المسئول, إن من دعائم الملك بعد العدل البطانة الصالحة, فلتكن بطانتك صالح العلماء, وليكن شوقك إليهم دائمًا أبدًا, واحرص الحرصَ كلَّه على تقريبهم وتقديرهم, والزم نفسك سماع نصحهم, فإن الدين النصيحة وأنت أولى من يُنصح، وليكن حذرُك شديدًا من علماء السوء, فإنهم يوردونك موارد التهلكة, ويأخذونك بجدٍّ إلى جهنمَ, أعاذنا الله وإياك منها.
إن البطانةَ السوء وعلماء السوء من أكبر أسباب تقويض الملك في الدنيا وعذاب الله في الآخرة,
فهم يطلبون دومًا رضا الحاكم طمعًا فيما في يديه؛ ليحصلوا بمكرهم وحيلهم ومعسولِ كلامهم على بعضٍ من حطام الدنيا من فتات موائده.
وينبغي للحاكم أن يعلم أنه ليس أحدٌ أشدُ ظلمًا ممن ظلم نفسه، فباع دينه وآخرته بدنيا غيره، وأكثر الناس في خدمةِ شهواتهم، فلا يعدمون حيلةً حتى يصلوا إلى مرادهم من الشهوات، وكذلك العمال طالبي الدنيا وعلماء السوء, لأجل نصيبهم من الدنيا يغرون الوالي ويُحَسِّنون الظلمَ عنده فيلقونه في النار ليصلوا إلى مبتغاهم، وأي عدو أشد عداوةً لك ممن يسعى في هلاكك وهلاك نفسه لأجل درهم يكتسبه ويحصله.
فانظر في أحوال مستخدميك، كما تنظر في أحوال أهلك وأولادك ومنزلك, وتخير بطانتك وعمالك من الصالحين والعلماء الربانيين والمتخصصين العالمين, واحذر تقديم أهل الثقة على أهل العلم والاختصاص, قال أبو نعيم:" وكما أن إقامة العدل أحرى من عبادة الدهور والأعوام كذلك تمكين الجاهلين والجائرين أربى من عصيان الشهور والأعوام، ومن سعادة الولاة والأمراء أن يقيض الله لهم الصلحاء من الوزراء, والسلطان حارس الدين، وإذا ولى الأمر أهله حمى الدين وأقامه, وإذا وسد الأمر لغير أهله هدم الدين وأهانه".
إن العالم الحق يدخر دعوته المستجابة للحاكم, فهو يعلم أنه بصلاح الحاكم تنصلح الرعية, يقول الفضيل بن عياض:" لو كانت لي دعوةٌ مستجابة جعلتها للإمام, فإن صلاحه صلاح العباد والبلاد، وفساده فساد العباد والبلاد، والعالم الحق لا يطمع فيما عند الحاكم من مالٍ أو جاهٍ أو سلطانٍ, وينصفه في الوعظ والمقال, ولا يصفه بما ليس فيه, ولا يمدحه رياءً فيطغيه ويغرَّه ويرديه".
دخل شقيقٌ البلخي على هارون الرشيد،
فقال له: أنت شقيق الزاهد؟
فقال: أنا شقيق ولست بزاهد.
فقال له: أوصني.
فقال: إن الله تعالى قد أجلسك مكان الصدِّيق، وأنه يطلب منك مثل صدقه، وأنه أعطاك موضع عمر بن الخطاب الفاروق، وأنه يطلب منك الفرق بين الحق والباطل مثله، وأنه أقعدك موضع عثمان بن عفان ذي النورين، وهو يطلب منك مثل حيائه وكرمه، وأعطاك موضع علي بن أبي طالب، وهو يطلب منك مثل علمه وعدله.
فقال له: زدني من وصيتك.
فقال: نعم. اعلم أنَّ لله تعالى دارًا تُعرف بجهنم، وأنه قد جعلك بواب تلك الدار، وأعطاك ثلاثة أشياء, بيت المال والسوط والسيف، وأمرك أن تمنع الخلق من دخول النار بهذه الثلاثة؛ فمن جاء محتاجًا فلا تمنعه من بيت المال، ومَن خالف أمر ربه فأدبه بالسوط، ومن قتل نفسًا بغير حق فاقتله بالسيف بإذن ولي المقتول، فإن لم تفعل ما أمرك فأنت الزعيم لأهل النار، والمتقدم إلى البوار.
فقال له: زدني.
فقال: إنما مثلك كمثل معين الماء،
وسائر العلماء في العالم كمثل السواقي، فإذا كان المعين صافيًا لا يضر كدر السواقي، وإذا كان المعين كدرًا لا ينفع صفاء السواقي.
سيادة المسئول.. كن كأسلافك الصالحين, الذين أصلحوا الدنيا بالدين, وحكموا العباد بكتاب رب العالمين وسنة خير المرسلين, فمكَّن لهم الله في كل حين, ودانت لهم الدنيا شرقًا وغربًا, فحقٌّ على الله نصر المؤمنين، فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم:" اثنان من الناس إذا صلحا صلح الناس، وإذا فسدا فسد الناس؛ العلماء والأمراء".
إنّ العلماءَ سُرُجُ الأمة على طريق الحق إلى جنة الخلد, فاتخذ منهم بطانتك, واقبل النصيحة منهم على أيِّ وجهٍ, ولا يحملنَّك غرور السلطان على رفض نقدهم أو نصحهم, فإن ذلك من الكبر, ومن التكبر يحدث السخط الداعي إلى الانتقام، والغضب غول العقل وعدوه وآفته, فلا تلوي بغضبك أعناق الرجال فيحجموا عن النصح لك, واذهب إلى العلماء في مساجدهم أو بيوتهم، وزد في قدرهم, واطلب موعظتهم ونصحهم وتذكيرهم ودعاءهم, يصير لك خيرهم وصلاحهم, واستعن بأهل الذكر في كل مجال, إن كنت تبتغي الكمال, وشاورهم في الأمور كلها, ولا تنفرد برأي دون مشورة, فإن في ذلك كل الخطورة, فلست أنت الحكيم الأوحد, فلا تكن كل حركات وسكنات عمالك بناء على تعليمات سيادتكم, وتدبير سيادتكم, وحكمة سيادتكم, ورجاحة عقل سيادتكم, والبصيرة الثاقبة لسيادتكم, والرؤية المستقبلية الهادفة لسيادتكم.
سيادة المسئول.. الكرسي بك يدور, وكثرة دورانه تسبب الدوار, فاجعل كل الأيادي معك، ولا تجعلها عليك, واحفظ كل العقول معك يعود نفعها إليك, ولا تدع حكمةً إلا وأخذتها, ولا تدع حكيمًا إلا قرَّبته واستشرته.
يُحكى أن هارون الرشيد خرج هو والعباس ليلاً لزيارة الفضيل بن عياض، فلما
وصلا إلى بابه وجداه يتلو هذه الآية:" أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ " [الجاثية: 21],
فقال هارون: إن كنا جئنا للموعظة فكفى بهذه موعظة.
ثم أمر العباس أن يطرق على الفضيل بابه،
وقال: افتح الباب لأمير المؤمنين.
فقال الفضيل: ما يصنع عندي أمير المؤمنين؟
فقال: أطِع أمير المؤمنين وافتح الباب.. وكان ليلاً والمصباح يتقد فأطفأه، وفتح الباب، فدخل الرشيد وجعل يَطوف بيده ليصافح بها الفضيل، فلما وقعت يده عليه قال: الويل لهذه اليد الناعمة، إن لم تنج من العذاب في القيامة.
ثم قال له: يا أمير المؤمنين استعدْ لجواب الله تعالى، فإنه يوقفك مع كل واحدٍ مسلم على حدة يطلب منك إنصافك إياه. فبكى هارون الرشيد بكاءً شديدًا، وضمه إلى صدره.
قال له العباس: مهلاً فقد قتلته.
فقال الرشيد للعباس: ما جعلك هامان إلا وجعلني فرعون.
ثم وضع الرشيد بين يديه ألف دينار،
وقال له: هذه من وجهٍ حلال من صداق أمي وميراثها.
فقال له الفضيل: أنا آمرك أن ترفع يديك عما فيها، وتعود إلى خالقك وأنت تلقيه إليّ.. فلم يقبلها.
سيادة المسئول عُد بنا إلى الزمنِ الجميل, أيام عزنا ومجدنا وكرامتنا, عُد بنا إلى أيام الفضيلة والنور, عُد بنا إلى إسلامنا وشرع ربنا وسنة نبينا, عُد بنا إلى الإسلام, فهو الحل لكل عيوبنا, "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ " [البقرة: 208]، فالإسلام دين شامل يتناول مظاهر الحياة جميعًا, الإسلام دين ودولة, والإسلام والسلطان أخوان توأمان لا يصلح واحد منهما إلا بصاحبه، فالإسلام أساس، والسلطان حارس، وما لا أساس له منهدم، وما لا حارس له ضائع.. "كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ " [البقرة: 213].
اللهم حكِّم فينا كتابك, وسدد خطا عبادك, واهدنا واهدِ بنا, ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا, ندعوك ربنا أن تهدينا جميعًا إلى ما تحبه وترضاه, وأن تجعلنا من العاملين لدينك, المجاهدين في سبيلك, المرابطين على الحق, وصلى اللهم على سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلَّم, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
==========
وكل مسئولٍ يرتقب
الكاتب: د/ الغباشى الشرنوبى العطوى
إلى كل حاكمٍ منتظر, وكل مسئولٍ يرتقب, وكل عاملٍ مستشرفٍ, سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.. وبعد:
بارك الله لنا فيك, وبارك فينا لك, وهدانا جميعًا وإياك إلى ما يحبه تعالى ويرضاه، فلتعلم أيها المسئول أنك مسئولٌ عن كلِ ما استرعاك اللهُ عليه كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: "كلكم راعٍ وكلكم مسئولٌ عن رعيته..", وسيوقفك الله عزَّ وجلَّ للحساب والسؤال:" وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ " [الصافات: 24].
واعلم أن رسول الله - عليه الصلاة والسلام - حدد مهامك وأنذرك فقال:" مَن ولَي أمور المسلمين ولم يحفظهم كحفظه أهل بيته فقد تبوَّأ مقعده من النار", فلتأخذ بيد رعيتك إلى الجنة، ولتدفعهم دفعًا عن النار فتنعم وإياهم, ولا تجعلهم بظلمك لهم يدفعونك جميعهم إلى جهنم فتزلَّ وتشقى، فعن زيد بن أسلم عن أبيه قال: قال عمر بن الخطاب عند موته:" اعلموا أن الناس لن يزالوا بخير ما استقامت لهم ولاتهم وهداتهم".
فكن سيادة المسئول كأبي بكر في صدقه، وعمر في عدله، وعثمان في حيائه وكرمه، وعلي في علمه وعدله, واعلم أن العدل كما قال محمد بن كعب القرظي, لمَّا سأله عمرُ بنُ عبد العزيز: صف لي العدل. فقال: "كل مسلمٍ أكبرُ منك سنًّا فكن له ولدًا، ومن كان أصغر منك فكن له أبًا، ومن كان مثلك فكن له أخًا، وعاقب كل مجرمٍ على قدر جرمه، وإياك أن تضرب مسلمًا سوطًا واحدًا على حقدٍ منك فإن ذلك يصيرك إلى النار".
سيادة المسئول, إن من دعائم الملك بعد العدل البطانة الصالحة, فلتكن بطانتك صالح العلماء, وليكن شوقك إليهم دائمًا أبدًا, واحرص الحرصَ كلَّه على تقريبهم وتقديرهم, والزم نفسك سماع نصحهم, فإن الدين النصيحة وأنت أولى من يُنصح، وليكن حذرُك شديدًا من علماء السوء, فإنهم يوردونك موارد التهلكة, ويأخذونك بجدٍّ إلى جهنمَ, أعاذنا الله وإياك منها.
إن البطانةَ السوء وعلماء السوء من أكبر أسباب تقويض الملك في الدنيا وعذاب الله في الآخرة,
فهم يطلبون دومًا رضا الحاكم طمعًا فيما في يديه؛ ليحصلوا بمكرهم وحيلهم ومعسولِ كلامهم على بعضٍ من حطام الدنيا من فتات موائده.
وينبغي للحاكم أن يعلم أنه ليس أحدٌ أشدُ ظلمًا ممن ظلم نفسه، فباع دينه وآخرته بدنيا غيره، وأكثر الناس في خدمةِ شهواتهم، فلا يعدمون حيلةً حتى يصلوا إلى مرادهم من الشهوات، وكذلك العمال طالبي الدنيا وعلماء السوء, لأجل نصيبهم من الدنيا يغرون الوالي ويُحَسِّنون الظلمَ عنده فيلقونه في النار ليصلوا إلى مبتغاهم، وأي عدو أشد عداوةً لك ممن يسعى في هلاكك وهلاك نفسه لأجل درهم يكتسبه ويحصله.
فانظر في أحوال مستخدميك، كما تنظر في أحوال أهلك وأولادك ومنزلك, وتخير بطانتك وعمالك من الصالحين والعلماء الربانيين والمتخصصين العالمين, واحذر تقديم أهل الثقة على أهل العلم والاختصاص, قال أبو نعيم:" وكما أن إقامة العدل أحرى من عبادة الدهور والأعوام كذلك تمكين الجاهلين والجائرين أربى من عصيان الشهور والأعوام، ومن سعادة الولاة والأمراء أن يقيض الله لهم الصلحاء من الوزراء, والسلطان حارس الدين، وإذا ولى الأمر أهله حمى الدين وأقامه, وإذا وسد الأمر لغير أهله هدم الدين وأهانه".
إن العالم الحق يدخر دعوته المستجابة للحاكم, فهو يعلم أنه بصلاح الحاكم تنصلح الرعية, يقول الفضيل بن عياض:" لو كانت لي دعوةٌ مستجابة جعلتها للإمام, فإن صلاحه صلاح العباد والبلاد، وفساده فساد العباد والبلاد، والعالم الحق لا يطمع فيما عند الحاكم من مالٍ أو جاهٍ أو سلطانٍ, وينصفه في الوعظ والمقال, ولا يصفه بما ليس فيه, ولا يمدحه رياءً فيطغيه ويغرَّه ويرديه".
دخل شقيقٌ البلخي على هارون الرشيد،
فقال له: أنت شقيق الزاهد؟
فقال: أنا شقيق ولست بزاهد.
فقال له: أوصني.
فقال: إن الله تعالى قد أجلسك مكان الصدِّيق، وأنه يطلب منك مثل صدقه، وأنه أعطاك موضع عمر بن الخطاب الفاروق، وأنه يطلب منك الفرق بين الحق والباطل مثله، وأنه أقعدك موضع عثمان بن عفان ذي النورين، وهو يطلب منك مثل حيائه وكرمه، وأعطاك موضع علي بن أبي طالب، وهو يطلب منك مثل علمه وعدله.
فقال له: زدني من وصيتك.
فقال: نعم. اعلم أنَّ لله تعالى دارًا تُعرف بجهنم، وأنه قد جعلك بواب تلك الدار، وأعطاك ثلاثة أشياء, بيت المال والسوط والسيف، وأمرك أن تمنع الخلق من دخول النار بهذه الثلاثة؛ فمن جاء محتاجًا فلا تمنعه من بيت المال، ومَن خالف أمر ربه فأدبه بالسوط، ومن قتل نفسًا بغير حق فاقتله بالسيف بإذن ولي المقتول، فإن لم تفعل ما أمرك فأنت الزعيم لأهل النار، والمتقدم إلى البوار.
فقال له: زدني.
فقال: إنما مثلك كمثل معين الماء،
وسائر العلماء في العالم كمثل السواقي، فإذا كان المعين صافيًا لا يضر كدر السواقي، وإذا كان المعين كدرًا لا ينفع صفاء السواقي.
سيادة المسئول.. كن كأسلافك الصالحين, الذين أصلحوا الدنيا بالدين, وحكموا العباد بكتاب رب العالمين وسنة خير المرسلين, فمكَّن لهم الله في كل حين, ودانت لهم الدنيا شرقًا وغربًا, فحقٌّ على الله نصر المؤمنين، فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم:" اثنان من الناس إذا صلحا صلح الناس، وإذا فسدا فسد الناس؛ العلماء والأمراء".
إنّ العلماءَ سُرُجُ الأمة على طريق الحق إلى جنة الخلد, فاتخذ منهم بطانتك, واقبل النصيحة منهم على أيِّ وجهٍ, ولا يحملنَّك غرور السلطان على رفض نقدهم أو نصحهم, فإن ذلك من الكبر, ومن التكبر يحدث السخط الداعي إلى الانتقام، والغضب غول العقل وعدوه وآفته, فلا تلوي بغضبك أعناق الرجال فيحجموا عن النصح لك, واذهب إلى العلماء في مساجدهم أو بيوتهم، وزد في قدرهم, واطلب موعظتهم ونصحهم وتذكيرهم ودعاءهم, يصير لك خيرهم وصلاحهم, واستعن بأهل الذكر في كل مجال, إن كنت تبتغي الكمال, وشاورهم في الأمور كلها, ولا تنفرد برأي دون مشورة, فإن في ذلك كل الخطورة, فلست أنت الحكيم الأوحد, فلا تكن كل حركات وسكنات عمالك بناء على تعليمات سيادتكم, وتدبير سيادتكم, وحكمة سيادتكم, ورجاحة عقل سيادتكم, والبصيرة الثاقبة لسيادتكم, والرؤية المستقبلية الهادفة لسيادتكم.
سيادة المسئول.. الكرسي بك يدور, وكثرة دورانه تسبب الدوار, فاجعل كل الأيادي معك، ولا تجعلها عليك, واحفظ كل العقول معك يعود نفعها إليك, ولا تدع حكمةً إلا وأخذتها, ولا تدع حكيمًا إلا قرَّبته واستشرته.
يُحكى أن هارون الرشيد خرج هو والعباس ليلاً لزيارة الفضيل بن عياض، فلما
وصلا إلى بابه وجداه يتلو هذه الآية:" أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ " [الجاثية: 21],
فقال هارون: إن كنا جئنا للموعظة فكفى بهذه موعظة.
ثم أمر العباس أن يطرق على الفضيل بابه،
وقال: افتح الباب لأمير المؤمنين.
فقال الفضيل: ما يصنع عندي أمير المؤمنين؟
فقال: أطِع أمير المؤمنين وافتح الباب.. وكان ليلاً والمصباح يتقد فأطفأه، وفتح الباب، فدخل الرشيد وجعل يَطوف بيده ليصافح بها الفضيل، فلما وقعت يده عليه قال: الويل لهذه اليد الناعمة، إن لم تنج من العذاب في القيامة.
ثم قال له: يا أمير المؤمنين استعدْ لجواب الله تعالى، فإنه يوقفك مع كل واحدٍ مسلم على حدة يطلب منك إنصافك إياه. فبكى هارون الرشيد بكاءً شديدًا، وضمه إلى صدره.
قال له العباس: مهلاً فقد قتلته.
فقال الرشيد للعباس: ما جعلك هامان إلا وجعلني فرعون.
ثم وضع الرشيد بين يديه ألف دينار،
وقال له: هذه من وجهٍ حلال من صداق أمي وميراثها.
فقال له الفضيل: أنا آمرك أن ترفع يديك عما فيها، وتعود إلى خالقك وأنت تلقيه إليّ.. فلم يقبلها.
سيادة المسئول عُد بنا إلى الزمنِ الجميل, أيام عزنا ومجدنا وكرامتنا, عُد بنا إلى أيام الفضيلة والنور, عُد بنا إلى إسلامنا وشرع ربنا وسنة نبينا, عُد بنا إلى الإسلام, فهو الحل لكل عيوبنا, "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ " [البقرة: 208]، فالإسلام دين شامل يتناول مظاهر الحياة جميعًا, الإسلام دين ودولة, والإسلام والسلطان أخوان توأمان لا يصلح واحد منهما إلا بصاحبه، فالإسلام أساس، والسلطان حارس، وما لا أساس له منهدم، وما لا حارس له ضائع.. "كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ " [البقرة: 213].
اللهم حكِّم فينا كتابك, وسدد خطا عبادك, واهدنا واهدِ بنا, ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا, ندعوك ربنا أن تهدينا جميعًا إلى ما تحبه وترضاه, وأن تجعلنا من العاملين لدينك, المجاهدين في سبيلك, المرابطين على الحق, وصلى اللهم على سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلَّم, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
==========
الأربعاء أكتوبر 19, 2011 2:03 pm من طرف اسماء
» إيقاظ الإيمان .. كيف ؟
الإثنين أكتوبر 17, 2011 1:26 pm من طرف المشتاقة الي الجنة
» دموع الصومال
الإثنين أكتوبر 17, 2011 1:13 pm من طرف المشتاقة الي الجنة
» الرسول صلى الله عليه وسلم والصومال
الإثنين أكتوبر 17, 2011 1:05 pm من طرف المشتاقة الي الجنة
» هنا من موقع التوبة أعلنها توبة لله
السبت أكتوبر 15, 2011 4:21 am من طرف اسماء
» قصة طفل عمره 3 سنوات والله المستعان
الجمعة أكتوبر 14, 2011 10:15 am من طرف اسماء
» فوائد الصرصور..اخر زمنـ صار لهمـ فوائد بعد..
الخميس أكتوبر 13, 2011 12:40 pm من طرف المشتاقة الي الجنة
» ذابت قلوبنا من هم الدنيا
الخميس أكتوبر 13, 2011 12:36 pm من طرف المشتاقة الي الجنة
» لا تجعل الله أهون الناظرين إليك [ ذنوب الخلوات ]..!!!
الخميس أكتوبر 13, 2011 12:23 pm من طرف المشتاقة الي الجنة